الاستاذ الدكتور فراس عبد الجبار الربيعي
ان بدا التحركات الروسية لاعادة نظام القطبية الثنائية والتي قابلها
تكتيكات امريكية جديدة لمواجهة هذه التحركات جعلت اوربا تواجه مشكلة خطيرة تتمثل
في مواجهة كلا العملاقين فاصبحت تواجه خطر تناقص حجمها من الجهتين الغربية والشرقية من قبل روسيا
والولايات المتحدة الامريكية فبعد الانسحاب البريطاني من الاتحاد الاوربي اي
اقتطاع جزء من حدود الاتحاد الغربية بدا القضم الروسي للاجزاء الشرقية من اوربا من خلال
التحرك باتجاه جورجيا وشبه جزيرة القرم واخيرا اوكرانيا، وروسيا ان كانت تنتمي
قاريا الى قارة اوربا الا انها لديها العديد من النقاط الخلافية مع اوربا ومنها
1-اختلاف المذهب حيث ينتمي
الروس الى المذهب الارثوذكسي بينما يتوزع الاوربيين بين الطائفتين الكاثوليكية
والبروتستانتية
2-ان الاوربيين لايخفى
عليهم انهم يمثلون المجال الحيوي لروسيا ومحط انظارهم منذ العصور القديمة وهذا
يتضح في وصية بطرس الاكبر الذي اوصى بضرورة الاهتمام باوربا واستغلال اي فرصة
للتوسع وتقوية العلاقة مع بريطانيا بغية الوصول الى المحيط الاطلسي فضلا عن التوسع
باتجاه بحر البلطيق والبحر الاسود والسعي الى كسب ود جميع المسيح
الارثوذكس واعلان روسيا نفسها زعيمة الطائفة وان من يرفض التحالف مع روسيا فيجب
اخضاعه بالقوة ·
مهما كانت التحديات والخلافات فان روسيا لن تسمح لنفسها بالتفريط بجمهوريات
الاتحاد السوفيتي السابق كونها تمثل خط الصد الامامي لروسيا وتتمتع بثروات هائلة .
،اما بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية فهي اقرب لاوربا من الناحية
السكانية والدينية من روسيا كون ان اغلب الامريكيين هم اوربيين مهاجرين بالاصل
وهذا مايعني ميل كفة ميزان الثقافة والدين واللغة للامريكان على حساب الروس وتمتلك رؤيا خاصة تجاه اوربا فهي ترى في اوربا
جسرا للعبور الى منطقة القلب الاوراسي ترغب بوجود اوربا موحدة لكن وفق الرؤيا
الامريكية فهي كما يقول كيسنجر في رقعة الشطرنج الكبرى ترغب بقيادة المانية وليست
فرنسية ،وتسعى الى استمرار بريطانيا في تحالفها المقدس معها كونهما يتميزان بموقع
بحري ممتاز .
وفي الواقع ان اوربا منذ بداية نشوء فكرة الاتحاد بعد الحرب العالمية
الثانية لم تنجح بالنهوض كقوة عسكرية او سياسية بل كانت اوربا مقسمة بين حلف
الناتو وحلف وارشو وربما يكون نجاحهم في العقود الاخيرة في المجال الاقتصادي فقط
ولن يكون الوضع سهلا على الاوربيين في ظل التطورات الجديدة فهي تواجه خطر القضم من
الجهتين الشرقية والغربية .
· للمزيد
عن وصية بطرس الاكبر مراجعة وهيب ابي فاضل الموسوعة الكبرى لتاريخ
الشعوب وحضارتها اوربا والعالم حتى القرن الثامن غشر الجزء الثالث عشر والرابع عشر
مركز الشرق الاوسط الثقافي ص 132.