أخبار الإنترنت
recent

مناهج البحث في الجغرافية السياسية بين الاصالة والتجديد



الأستاذ الدكتور فراس عبد الجبار الربيعي
منهج البحث العلمي هو الاسلوب او مجموعة الاساليب التي يتبعها الباحث للوصول الى الحقائق العلمية المقبولة والتي تعتمد بدورها على طبيعة الموضوع الذي يتناوله الباحث وفي الحقيقة ان مناهج البحث العلمي ليست جامدة بل هي متطورة بالاعتماد على تطور العلوم وطبيعة المواضيع التي يتم تناولها في البحوث العلمية وليس هناك منهج كامل له قواعد لاتتغير.
وعلى الرغم من ظهور الجغرافية السياسية كعلم اكاديمي في نهايات القرن التاسع عشر فانها لازالت تعاني من اختلافات في تعريفاتها وميادينها ومازالت تظهر فيها فروع جديدة ولعل اخر حقل بدأ يتشكل فيها هو حقل الايكلوجيا السياسية فاستخدم الباحثون فيها منذ ذلك الوقت عدة مناهج ومنها:
1-المنهج الإقليمي
وقد استخدمه العالم بومان في كتابه العالم الجديد ويقوم هذا المنهج على دراسة الاقليم كوحدة مستقلة من حيث العوامل الجغرافية بشقيها الطبيعي والبشري وتفاعلها مع الجانب السياسي وعلى الرغم من الباحثين في الجغرافية السياسية يؤكدون ان هذا المنهج هو الاكثر امنا في الجغرافية السياسية . الا انه لم يسلم من المؤاخذة والانتقاد كونه منهج واسع وقد لا يحصل الباحث على كل البيانات اللازمة للدراسة فضلا عن ان الوقت لايسعفه لانجاز دراسته خصوصا اذا كان من طلاب الدراسات العليا ومحدد بوقت معين.
2- المنهج الاصولي
وهو لايختلف كثيرا عن المنهج الإقليمي حيث انه يقوم على دراسة العناصر الطبيعية والبشرية مثل الموقع والمساحة والحجم والشكل والتكوين الطبوغرافي والخصائص الفيزيوغرافية والحياتية وفق الاسس والمفاهيم السائدة في مجال الجغرافية السياسية لكنه يركز على الموضوعات اكثر من تركيزه على المكان او بالاحرى انه يركز على الظاهرة الجغرافية اكثر من تركيزه على المساحة وينقسم الى عدد من الموضوعات التي تدرس مستقلة مثل الموضوعات التي تتناولها الجغرافيا الطبيعية وابرز فروعها الجغرافيا المناخية وجغرافية البحار والمحيطات والجيمورفولجيا والجغرافية الحيوية بفروعها النباتية والحيوانية والتربة .
3- المنهج التحليلي
ينطلق هذا المنهج من رؤية مفادها ان الدولة تتكون من عدة عناصر جغرافية تشمل
1- البيئة الطبيعية وتدخل فيها عناصر الجغرافية كافة .
2- الحركة والانتقال وتتضمن اتجاه حركة نقل البضائع والأشخاص والتيارات الفكرية .
3- المواد الخام والسلع المصنعة ونصف المصنعة ويعني الجانب الاقتصادي في المجالين الزراعي والصناعي والمعدني .
4- السكان أي دراسة الدولة دراسة ديموغرافية .
5- التركيب السياسي ويتضمن دراسة نظم واشكال الإدارة واهداف الحكم ومثله الفعلية وليس فقط الأشياء النظرية والعلاقات السياسية الداخلية والخارجية .
ويقوم المنهج التحليلي بتحليل هذه العناصر وفق منهج جيوسياسي وتكمن صعوبة هذا المنهج في اختيار العنصر ذو البعد السياسي المؤثر في قوة الدولة مما يتطلب نظرة ثاقبة من الباحث ولكنه في الوقت عينه ناجح جدا في الدراسات المقارنة حينما يطبق على مجموعة دول او حتى في الدولة الواحدة اذ انه يؤدي الى مجموعة نتائج تكشف الوزن النسبي للدولة وهو منهج جيوبلتيكي اكثر مما هو جغرافية سياسية .
4-المنهج التاريخي
ويستخدم هذا المنهج لتقصي الجذور التاريخية لاي مشكلة سياسية ودراسة تاريخ الوحدة السياسية لمعرفة كيفية وصولها الى ماهي عليه والماخذ على المنهج التاريخي هو الخوف من يستغرق الباحث في سرد الاحداث التاريخية اكثر من التحليل السياسي.
5-المنهج الكمي
وهو من المناهج التي تعطي حيوية جديدة للجغرافية السياسية كونه يؤدي الى ادخال اساليب جديدة في قياسات الجغرافية السياسية بشكل مستمر وقد ظهرت عدة محاولات كمية لقياس قوة الدولة استنبطت حقائق جديدة واوجزت الظواهر الجغرافية السياسية في مؤشرات رقمية واضحة.
6-المنهج الوظيفي
وهو منهج اتبعه هارتشورن حيث اعطى اهتماما كبيرا لوظيفة الدولة وإثر العوامل الجغرافية على اتخاذ القرار السياسي ويهتم من يدرس هذا المنهج بدراسة وظيفة الدولة الداخلية والخارجية وأثر الحكومات وقراراتها السياسية على الظواهر الجغرافية الطبيعية والبشرية .
ويرى هارتشورن من خلال هذا المنهج ان الجغرافية السياسية تهتم بقوة الدولة ووزنها السياسي من خلال التحليل الدقيق لتركيب وتكوين وخصائص الدولة الطبيعية والبشرية ومواردها وانتاجها ومشكلاتها المختلفة أي كل ما يؤثر على قوتها وويهدد امنها الوطني وكيانها ويسهم او يحد من ثقلها في المجالين الإقليمي والعالمي.
ان المناهج السابقة الذكر يمكن تسميتها بالمناهج الكلاسيكيه او التقليدية لاتعني انغلاق باب الجغرافية السياسية امام ظهور المناهج الحديثة فقد ظهرت خلال السنوات الاخيرة مناهج حديثة مازال استخدامها ضعيفا في الدراسات العربية والمحلية ومنها :
1-المنهج التطبيقي
وهو من المناهج المستحدثة في الجغرافية السياسية وقد ترافق ظهوره مع ظهور الجغرافية التطبيقية التي تعمل على ابراز نفعية الجغرافية من خلال عملها على تطبيق الأساليب الجغرافية الحديثة من مسح وتعليل وتحليل بغية المساهمة في إيجاد حلول للمشكلات العالمية وبالتالي الافادة من المعرفة الجغرافية في تحسين الاحوال البشرية اي ان مهمة الباحث في الجغرافية التطبيقية سوف تتعدى التفسير الى وضع تصورات التغيير نحو الافضل من خلال استشرافه للمستقبل لتحديد ما يجب ان يكون من الخطط المستقبلية والتنبؤ وطرح الاحتمالات بأحداث ظروف جديدة و طرح السياسات والبرامج التي يمكن للمخططين والمعنيين بالمشكلة ان يقوموا بتنفيذها والجغرافي التطبيقي بحكم تحليله للسبب والاثر والحل لأي مشكلة اجتماعية او اقتصادية او بيئة يمكن ان يقوم بدور مشارك – وليس فقط استشاري- في تنفيذ هذه السياسات والبرامج في عمليات رصد انعكاساتها لكي تحقق اهدافها على الوجه الاكمل.
وكانت بداية الجانب التطبيقي للجغرافية السياسية بعد الحرب العالمية الاولى نتيجة الادعاء الزائد بمعرفة الادعاءات الاقليمية بعد تلك الحرب حيث ظهر دور الجغرافيين واضحا خلال مؤتمر السلام خصوصا مسالة رسم الخريطة السياسية لاوربا وكان بومان من ابرز الجغرافيين الذين ساهموا في رسم خريطة اوربا السياسية ومن ثم كان تطور هذا المنهج نتيجة منطقية لتطور استخدام المعلومات للإفادة منها في دراسة المشكلات الدولية فاستحدثت وزارة الدفاع الامريكية قسم للدراسات الجغرافية . هذا المنهج يمكن الباحث من المساهمة في إيجاد حلول للمشاكل الدولية بالاشتراك مع المتخصصين بالعلاقات الدولية والقانون الدولي والعلوم السياسية ومنها مشكلات البيئة الدولية إضافة الى جعله قادرا على وضع الخطط والبرامج المستقبلية .
في فرساي كان للجغرافيين تاثيرهم الذي لاينكر وفي هذا يقول جوتمان ان خريطة اوربا الجديدة التي رسمت في مؤتمر السلام بفرساي سنة 1919 وخصوصا مايتعلق منها بحدود رومانيا وبولندة تدين بالفضل الكبير للتعاون الصادق بين بومان وديمارتون وشكلت لجان لبحث المطالب الإقليمية للدول سواء منها ماكان موجودا بالفعل او ماكان في دور التكوين وان هذه اللجنة كانت تقوم بمقابلة المندوبين المختلفين ثم يقوم اعضاءوها بالنظر في المطالب وهذه اللجنة كانت تضم خبراء في الجغرافيا والاقتصاد والتاريخ والشؤون الحربية ويقول جونسون لم يكن هناك أي تقصير من جانب الجغرافيين اما في أمريكا فتقول ريجلي انه منذ عام 1961 كانت كل إمكانيات الجمعية الجغرافية الامريكية ومصادرها موضوعة تحت تصرف الحكومة .
2- منهج دراسة النظم العالمية
ارتبط ظهور هذا المنهج بظهور القضايا العالمية ذات الاهتمام المشترك
مثل قضايا التلوث وقضايا التغيير المناخي والعولمة وهي مااكد ضرورة وجود منهج واسع وهو منهج الدراسات العالمية الذي بدا استخدامه مؤخرا .
ويقوم هذا المنهج بتحليل أبعاد المنظومة التاريخية ، وديناميكية الاقتصاد العالمي والبنية المكانية للاقتصاد العالمي ، والنطاق الجغرافي للنظام ، والقوة السياسية في الاقتصاد العالمي ، وطبيعة القوة ( الأفراد – المؤسسات – الطبقيات – الشعوب ).
المصادر
1 -باسم عبد العزيز عمر العثمان ، مناهج البحث الجغرافي وتطبيقاتها في الجغرافيا البشرية ،الطبعة الأولى 2009 دار السياب للنشر والتوزيع لندن ودار اليقظة الفكرية سوريا ص 12.
2- فتحي محمد أبو عيانه، دراسات في الجغرافية السياسية، دار النهضة العربية بيروت ،1983، ص 32.
3-بيتر تايلور وكولنت فلنت الجغرافية السياسية لعالمنا المعاصرالجزء الاول ترجمة عبد السلام رضوان واسحق عبيد ,سلسلة عالم المعرفة المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب الكويت العدد 232 .
اطبع هذه الصفحة
الاستاذ الدكتور فراس عبد الجبار الربيعي

الاستاذ الدكتور فراس عبد الجبار الربيعي

يتم التشغيل بواسطة Blogger.