اطروحة دكتوراة قدمت الى مجلس كلية التربية للعلوم الانسانية جامعة ديالى من قبل الطالب عبود تركي عدوان وهي جزء من متطلبات نيل درجة الدكتوراة في الجغرافية السياسية باشراف الاستاذ الدكتور فراس عبد الجبار الربيعي .
المستخلص
يعد العراق
من الدول التي تتمتع بموارد طبيعية وبشرية جيدة لكن الظروف التي مر بها خلال
الاحداث السياسية المتلاحقة في العقود السابقة ادت به الى ضائقة مالية كبيرة, فهناك اسباب جعلت العراق يلجأ للاقتراض من صندوق النقد الدولي
والبنك الدولي التابعتان للأمم المتحدة منها انخفاض الموارد المحلية اللازمة لتغطية النفقات العامة، إذ من المعروف ان الاقتصاد العراقي يعتمد وبشكل كبير جداً في تمويل الموازنة العامة على الموارد النفطية والتي كانت تساهم بأكثر من) 97%) من اجمالي الايرادات العامة
لحد عام2013 م وما قبلها اثناء انتعاش اسعار النفط، لكنها انخفضت مع انخفاض اسعاره لتشكل ما بين(83%) و(85%) من تلك الايرادات للعامين 2015 م
و2016 م على التوالي التي تتسم بالتذبذب كنتيجة للتقلبات التي تطرأ على اسعارها في
الاسواق العالمية وحسب العرض والطلب, وبالتالي لا يمكن التحكم فيها، فأي تذبذب يصيب اسعارها سرعان ما ينعكس على انخفاض الايرادات النفطية التي تمثل المورد الرئيس في تغطية النفقات العامة، فيتم اللجوء إلى الاقتراض. كذلك انخفاض حجم الايرادات الضريبية التي تعد مؤشر على مدى تطور الاقتصاد من عدمه، إذ ان الانشطة الاقتصادية الزراعية والصناعية وتشييد
البناء والكهرباء وغيرها، كلما كانت اكثر انتاجية وقدرة على منافسة السلع الاجنبية المماثلة، كلما ساعد ذلك على زيادة الحصيلة الضريبية بشكل أكبر، وهذا مما يساعد على تغطية النفقات العامة دون اللجوء إلى الاقتراض، لكن هذا لم يحصل في العراق، إذ لم تمثل الايرادات الضريبية سوى) 2%( من مجموع الايرادات العامة
من عام 2003 م الى عام 2013 ثم تحسنت لتشكل) 6%( تقريباً و(6,96%)
من مجموع تلك الايرادات في عام 2015م و2016م على التوالي، وهذا التحسن يرجع إلى انخفاض اسعار النفط، لكن النتيجة حتى مع التحسن في نسب الضريبية تم اللجوء الى الاقتراض بسبب الانخفاض الشديد لمساهمة الضرائب في الموازنة العامة. كل هذه
التحديات دفعت بالعراق اللجوء الى الاقتراض من الوكالتين لتمويل ميزانيته لسد
احتياجاته ودعم اعادة الاعمار وكان ذلك وفق اتفاق الاستعداد الائتماني بمراحلها
المتعاقبة منذ عام 2004م الى وقتنا الحالي فعلى سبيل المثال حصل العراق على قرض من
صندوق النقد الدولي وفق الاتفاقية الثالثة في 7من يوليو/تموز عام 2016م بقيمة حوالي(
5,34) مليار دولار امريكي ولكن هذه القروض هي الاخرى كان لها ابعادها الجيوسياسية
ظهرت نتائجها بعد سنوات للاقتراض بسبب الشروط المصاحبة لها وكانت من هذه الابعاد
الجيوسياسية التي ترتبت على الواقع الاقتصادي بعد الاقتراض هي ابعاد سياسية متمثلة
بالتدخل المباشر في الوضع السياسي للدولة وابعاد اجتماعية اخرى متمثلة بالسخط
الشعبي والجماهيري بسبب الفقر وارتفاع نسبة البطالة بين شباب الخريجين واندلاع
الكثير من التظاهرات والاعتصامات فضلاً عن شروطها التي كانت سبباً في توقف المصانع
والشركات الوطنية وخاصة شركات استخراج النفط واستبدالها بشركات احتكارية تابعة
لتلك الوكالات مما سبب في تعطيل اليد العاملة الوطنية والأدهى من ذلك ان تلك
الشركات التي تعمل في استخراج النفط قد عمدت الى جلب يد عاملة غير مرغوبة في
مجتمعاتها ولها سوابق اجرامية خطيرة وحكمت في بلدانها بالسجن واتت بها للعمل في
هذا القطاع الحيوي ومن امثلتها الشركة اليابانية فهي استفادت من هذه الحالة من عدة
جوانب فهي تخلصت من معتقليها في بلدانهم وزجتهم في قطاع مهم في العراق يدري لها
بالأموال الطائلة عن طريق تلك الاعمال وهناك من الابعاد الاجتماعية الاخرى. وضع الاقتصاد العراقي رهن للشركات الاحتكارية العابرة
للقارات ونهب خيراته على الأمد الطويل. فهي رهنت النفط العراقي وجعلت الاقتصاد
العراقي رهن حركة السوق العالمية, وعملت على زيادة حصة مستحقات شركات التراخيص
النفطية العالمية فوصلت الزيادة الى 10 دولار لكل برميل نفط بغض النظر عن سعر
البيع أي حتى لو كان اقل من 10 دولار يدفع الـ 10 دولار الى الشركات وهذا ما ثبت
في المطالبة بالمبالغ الكبيرة لمتأخرات الشركات في موازنة عام 2015م.
كما إن شروط
القرض ركزت على الجوانب التي تثير الشبهات والتساؤل حول التركيز على الامور غير
المهمة بالنسبة للعراق وترك الامور الايجابية مثلاً مستحقات الشركات لذا ارتفعت
نسبة المديونية الخارجية الى شكل فضيع سواء للوكالتين ام للدول الاخرى. كما فتحت
الباب على مصراعيه للدول الاستعمارية الكبرى التي كانت جزء من اتفاقية نادي باريس
وجزء من وكالتي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهذه الدول تطالب بتسديد قروضها
كدولة من جانب ومن جانب اخر تطالب كجزء من والوكالة او عضو فيها فهي من الجانبين
تضغط على العراق لاستحصال اكبر قدر من الفائدة.
كما ادت
سياسة السوق المفتوحة التي فرضتها الوكالتين الى اغراق السوق المحلية وضرب المنتج
المحلي وتعطيل الصناعة الوطنية وتسريح عدد كبير من العاملين فيها وهذا شكل عبءَ
على الدولة من الناحية الاقتصادية اذ احيل عدد كبير من العمال الى التقاعد الاجباري
وهم دون السن القانوني له بسبب توقف تلك الصناعات مما اجبر الحكومة الى دفع رواتب
لهم وهم مقعدين عن العمل هذا ما يخص
الجانب الصناعي اما الجانب الزراعي فهو الآخر لم يسلم من الضرر من هذه السياسة, ومنها(اغراق
السوق المحلية بالمنتوج الزراعي المستورد) اذ اثر ذلك سلباً على واقع الزراعة
الوطنية التي كانت في سنوات قبل عام 2003 تمثل مورد رئيسي للبلد الى جانب المورد
النفطي فقد وصل العراق في مرحلة الحصار الاقتصادي الى درجة الاكتفاء الذاتي لكن
بعد تدخل الوكالتين في الامور الاقتصادية وفرض شروطها على السوق بشكل مباشر تحول
واقع المزارع الى وضع لا يحسد عليه أذ ارتفع مستوى مديونيته بسبب عدم قدرته على
المنافسة وعدم وجود الدعم الكافي من الحكومة .
كما وصل
الوضع الاقتصادي بالعراق في السنوات إلى انه لم يستطع توفير رواتب موظفيه على
الرغم من ايقاف التعينات لعدد من السنوات مع وعدم الايفاء بحقوق ومستحقات
المزارعين وخاصة حقوق المحاصيل الاستراتيجية (القمح والشعير والارز والذرة
الصفراء) فهي الاخرى متأخرة لعدد من السنوات مما نتج عنها الكثير من المشاكل
الاجتماعية وتوقف عجلة العمل حتى في قطاعات اخرى منها البناء والاعمار فضلاً عن
حركة السوق اليومية.
مكنت هذه العلاقة من تدخل الوكالتين في الشؤون
الاقتصادية والسياسية للبلد ووضع قرارات لا تصب في مصلحة الشعب العراقي وادت الى
رفع مستوى الفقر وارتفاع نسبة البطالة وخاصة بين صفوف الشباب الخريجين مما دفع
القسم الاكبر الى الهجرة الخارجية للبحث عن العمل والقسم الاخر توسد الشوارع امام
الوزارات للمطالبة بتوفير فرص عمل لهم التي سرعان ما تحولت الى مظاهرات وثورات كما
تولد عن الوضع الاقتصادي الرديء ونتيجة سياسة التقشف التي فرضتها الوكالتين العديد
من المشاكل الاجتماعية مثل ارتفاع نسبة الجريمة المجتمعية وحالات الانتحار والطلاق.
كما من الامور المهمة التي تذكر هي فرض
وصاية على المصارف العراقية بدواعي التدقيق الخارجي من خلال الادعاء بإصلاح النظام
المصرفي عن طريق تعيين مدققاً خارجياً لمصرفي الرشيد والرافدين بهدف تدقيق
بياناتهما المالية لعام 2014م وفق معايير معمول بها دولياً وتم فعلاً تنفيذ ذلك من
قبل العراق.
كما لم
تحدد الفترة التي يجب على المقترض ان ينهي فيها سحب مبلغ القرض ولكن حدد فقط ما
سماه بمبلغ فائدة فك الارتباط التي هي (0.25%) من مبلغ القرض وهذا يعني ان العراق
يدفع مبالغ فائدة على مبالغ لم يستلمها بعد ولم يستفد منها وتعد هذه من اجحف
الشروط التي سببت خسارة كبيرة للعراق.
لذا يمكن
القول ان علاقة العراق بالوكالتين قد اوصلته الى وضع لا يحسد عليه وجعلته في مرتبة
الدول الفقيرة على قرار ما حصل في القارة الافريقية التي لا تمتلك اي مقومات
اقتصادية وان دولة مثل العراق يجب ان تكون في صفاف الدول المتقدمة لما تمتلكه من
خيرات اقتصادية وعقول بشرية مفكرة ونيره لكن شروط الوكالتين قتلت حلم اكثر
المفكرين والخريجين العراقيين الذين لو فسح المجال امامهم لعملوا من وطنهم وطن
تضرب به الامثال كما كان في السابق فهو مهد الحضارات. كما ان لدولة مثل العراق تمتلك من المقومات الاقتصادية
الهائلة لا تحتاج لمثل هكذا قروض تردي حالها ولاسيما اذا ما علمنا ان جميع تلك
القروض لم يسمح للعراق باستثمارها في
مشاريع مدرة للدخل والانتاج بل جميعها صرفت على مشاريع استهلاكية منها تعبيد طرق
وبناء جسور وهذه امور لا تستحق الاقتراض فالعراق يمكنه ان يعبد الطرق حتى لو لم
يكن له اموال كافية فجميع مواد انشاء وتعبيد الطرق هي محلية وبنوعيات ممتازة
وبأسعار زهيدة لا تكلف الدولة مبالغ طائلة فلماذا الاقتراض ولماذا هذه الشروط التي
انهت احلام العراقيين في الوصول الى مستويات متقدمة بين دول العالم. ان دل على شيء
فهذا يدل على خضوع الوكالتين وعملهما لصالح الولايات المتحدة الامريكية التي جعلت
من العراق بلد مدمر وساحة للصراعات الاقليمية والدولية والعرقية واثبتت التجارب ان
الوكالتين اداة لبسط سيطرتها على اي بلد ترغب في نهب ثرواته وهذا ما حصل بالفعل
للعراق.